فن

 


محظيون ومغضوب عليهم| سوق الدراما في زمن «المتحدة»
بعد احتكار الإنتاج الدرامي.. الممثلون إما عاطلون أو هاربون أو أبناء للشركة
 
 
 

قبل سنوات من احتكار الدولة للإنتاج الدرامي، كان المجتمع الفني مشغولًا بعدة قضايا، أغلبها فنية، نتجت عن كثرة أعداد المسلسلات وتنوع جهات إنتاجها، مثل مشاركة الممثلين في أكثر من عمل في موسم واحد، واعتبار ذلك ظاهرة سلبية ووصفها بـ«النحت»، وظهور ممثلين عرب في الأعمال المصرية، والسؤال الموسمي عن صاحب لقب الأعلى أجرًا في الدراما. وكان النقاش المسيطر في القنوات الإعلامية يدور حول منافسة النجوم القدامى للشباب، وعن غلبة البطولات الجماعية على البطولات الفردية، وما إلى ذلك، إلى أن حدث ما حدث في العامين الأخيرين، وتحولت تلك المرحلة إلى «زمن الدراما الجميل»، وانتهى هذا النوع من النقاشات، بعد أن أصبحت الدراما في جيب راجل واحد. أصبحت القضية الوحيدة المسيطرة الآن هي تأمين مصدر عمل ودخل للفنانين بأي أجر ودور، هربًا من البطالة.

اختفت إجابات الممثلين التقليدية في المقابلات الإعلامية عن أعمالهم الجديدة مثل «معروض عليا ورق كتير بس لسه ما خدتش قرار»، والتي تستخدم أحيانًا لطلب العمل بطريقة غير مباشرة، بعد أن فقدت منطقيتها، وحلّت كبديل عنها شكوى علنية من البطالة وقلة العمل، وهو أمر كان نادر الحدوث قديمًا.

وصلت أصداء شكاوى البطالة من النميمة والكلام الهامشي، وأخذت شكلًا علنيًا، بل ورسميًا، لدرجة أنه في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي 2018، سخر شريف منير مثلًا من عدم مشاركته في أعمال جديدة، ولمّح لأن المسلسلات لن تتعدى 15 مسلسلًا، قبل أن يعود مهرجان القاهرة أيضًا في دورته لـ 2019، بفقرة كاملة عن بطالة الفنانين، جسد فيها خالد الصاوي موقف تخيلي لانبطاح الفنانين أمام عروض العمل الشحيحة، وبجواره منة شلبي تقول «عايزة فيلم عايزة دور عايزة أي حاجة». أما الدورة الأخيرة للقاهرة السينمائي فافتُتحت بفقرة كاملة لأشرف عبدالباقي يقترح ويتخيل بها مجالات أخرى للفنانين بسبب البطالة.

تحدث «مدى مصر» مع عدد من المشتغلين بالصناعة، ممثلون وعاملون في القطاعين الإنتاجي والإخراجي، محاولين رسم خريطة سوق الدراما الحالية، قبل موسم رمضان القادم، وبعد التحولات التي عصفت بها منذ عام 2017. نستكمل بهذا التقرير ما سبق ورصدناه هنا، محاولين تتبع سياسات واستراتيجيات «سينرجي» التابعة لـ«المتحدة»، في إدارتها لاحتكار للمشهد، بين صعود لطبقة معينة من المحظيين، وتحجيم لطبقة أخرى من المغضوب عليهم، بنهج «إما معنا أو علينا».

كيف كونت «المتحدة» فريقها من الأساسيين والبدلاء؟ ما هي القائمة السوداء؟ شروط تصعيد الممثلين لصفوف البطولة، سياسة «أبناء الشركة»، والطريقة الذكية لرفض عرض عمل من «سينرجي» دون إلحاق الضرر بمستقبل الممثلين المهني، وأيضًا حلول «المتحدة» لإدارة تبعات أزمة البطالة. 

كيف كونت المتحدة فريقها من الأساسيين والبدلاء؟

شهدت الفترة من 2011 إلى 2017 تنوعًا وتطورًا كبيرًا في الأداء التمثيلي للفنانين، بسبب التطور في الكتابة والتنوع في الإنتاج. وفرَز كل موسم درامي، في هذه الفترة، عددًا لا بأس به من الوجوه الجديدة والممثلين الصاعدين، بالإضافة إلى تواجد النجوم الكبار. في هذه المرحلة كانت أكثر من عشر شركات إنتاج تتنافس في تقديم عدد كبير من الممثلين الجدد، وكذلك المؤلفين والمخرجين، من خلال التجارب الجديدة والمغامرات الإنتاجية.

ساهم الازدهار الإنتاجي قبل «التأميم الجديد» في قيام تجارب فنية قائمة بالأساس على اكتشاف مواهب جديدة وتقديمها. مثلما قدمت شركة «فيردي» تجربة «تياترو مصر»، ومعها معظم ممثلي الكوميديا الحاليين، ومن بعدها تجربة SNL بالعربي مع المنتج طارق الجنايني. يكفي القول إن فريق «سينرجي» الأساسي الحالي من النجوم، هم في الأساس نتاج لهذه المغامرات الإنتاجية، لشركات الإنتاج في السابق. 

مثلًا، قدمت شركة «o3» التابعة لمجموعة MBC، محمد رمضان للدراما بمسلسلي «ابن حلال» (2014) و«الأسطورة» (2016). بعد ذلك اتجه رمضان للعدل جروب، قبل أن يحتكره تامر مرسي في ثلاثة مواسم متتالية. أما «o3» فقد انتهت أعمالها مؤخرًا في مصر، بعدما شاركت في تقديم أعمال أخرى ضخمة مثل «دهشة» (2014) ليحيى الفخراني، و«موجة حارة» (2013)، و«سرايا عابدين» (2014)، وقدمت أولى بطولات مي عز الدين في مسلسل «حالة عشق» (2015)، وغيرها من التجارب.

نفس الحال لنجم الدولة المفضل، أمير كرارة، والذي حصل على فُرصِه الأولى في الدراما في مغامرة إنتاجية للمنتجة دينا كريم، في مسلسل «المواطن إكس» (2011) و«طرف تالت» (2012). وقدم معها بعد ذلك  في مواسم متتالية «تحت الأرض» و«أنا عشقت» و«حواري بوخارست» و«الطبال»، إلى أن قدمت معه شركة «فيردي» أول أعماله كضابط شرطة في «كلبش» (2017). ولم تستكمل الشركة عملها مع كرارة، بعدما استحوذت عليه «سينرجي».

أمير كرارة في «المواطن إكس»

 وكذلك يوسف الشريف، الذي شارك في تجربة كرارة الأولى «المواطن إكس»، وقدم أول بطولة له مع شركة «رايت ماركتينج» في «رقم مجهول» (2012) و«اسم مؤقت» (2013)، إلى أن أصبح نجمًا ثابتًا في رمضان، وتستحوذ عليه «سينرجي» ابتداءً من 2017 بمسلسل «كفر دلهاب».

أما ياسر جلال، والذي أصبح اسمه ثابتًا كل عام في رمضان، فقد قدمته شركة «فنون مصر» في مسلسلي «ظل الرئيس» (2017) و«رحيم» (2018)، قبل أن تتوقف عن الإنتاج، وبعد تجارب أخرى لها، في الاستثمار بنجوم جدد كطارق لطفي، في مسلسل «بعد البداية» (2015)، وإعادة وجوه قديمة مثل أحمد عبدالعزيز، مع قائمة من الوجوه الجديدة في مسلسل «الأب الروحي» (2017) وغيرها.

من خلال تلك الطريقة، أي بالتعاون فقط مع المضمون نجاحهم، وشعبيتهم جاهزة، كونت «سينرجي» فريقها من النجوم. جميع الأبطال الحاليين نتاج تجارب إنتاجية خارجها وقبلها. بشكل عام لم يُفلت من «سينرجي» سوى أسماء قليلة، مثل نيللي كريم، التي ما تزال مع «العدل جروب» بجانب يسرا، ودنيا سمير غانم مع المنتج هشام جمال. ولكن، حتى في هذه الحالة، فهذه الشركات وغيرها، تحت مظلة مجموعة «المتحدة» كشريكة أو مشرفة على الإنتاج.

ووراء الفريق الأول فريق آخر من البدلاء، والذين لا يُضمن تواجدهم بنسبة كاملة، في المواسم، مثل كريم عبدالعزيز وعمرو يوسف ومي عز الدين وأحمد السقا مثلًا. وبالطبع، هناك فريق من المغضوب عليهم، والذين خرجوا عن دائرة الاهتمام، وأبرزهم مصطفى شعبان وعمرو سعد وغادة عبدالرازق.

النجوم المفضلون وأبناء الشركة

وبين الفريق الأساسي والبدلاء، اتجهت السياسة الجديدة مؤخرًا إلى تصعيد طبقة جديدة إلى أدوار البطولة، وتسخير الإمكانيات لفرضهم على البطولات، وأيضًا على الظهور الإعلامي مؤخرًا، وهم مَن أصبح يُطلق عليهم «أبناء الشركة» أو أبناء «المتحدة». 

وأول معاييرها بالطبع، الناحية السياسية ومدى التقارب مع تامر مرسي ومَن فوقه ورجاله، وكذلك معايير تتعلق بالأجور وطموحات الممثلين الفنية. نتج عن تلك السياسة طبقة بعينها تسيطر على الدراما، على رأسها من الجيل القديم، كرارة، النجم الأول والمفضل لدى «المتحدة»، والاختيار الأول لها في الأعمال «الوطنية» والموجهة، وأبرزها مسلسل «الاختيار». ويحظى كرارة باهتمام إعلامي ومهني كبير، تخطى مرحلة ضمان التواجد كل موسم بمسلسل من بطولته، إلى تقديم برنامج تليفزيوني «سهرانين» كتعويض مادي له عن قلة الأجور في المسلسلات الوطنية في الفترة الأخيرة، بحسب ما ذكره أحد المصادر في الشركة.

نهج «أبناء الشركة» لا يقتصر على الممثلين فقط، ولكن امتد أيضًا لفرق العمل نفسها خلف الكاميرات. فهناك مخرجون ثابتون للشركة مثل محمد سامي وبيتر ميمي، ومؤلفين مفضلين مثل هاني سرحان وباهر دويدار، وآخرون مغضوب عليهم، أبرزهم المخرج محمد شاكر خضير مثلًا، الموقوف عن العمل بعد ظهور عبارة معارضة للرئيس في مسلسل «لا تطفئ الشمس» 2017.

بدأت ثمار سياسة أبناء الشركة بالنضوج في الموسم الدرامي الأخير. بعضهم صعد بشكل مفاجئ وغير مبرر، مثل أحمد صلاح حسني، الذي حصل العام الماضي على دور في مسلسل «الفتوة» ربما يفوق في المساحة والأهمية بطل المسلسل، ياسر جلال، وكتب اسمه بطريقة خاصة في نهاية التتر بشكل مثير للتساؤلات، قبل أن يقدم مسلسلًا من بطولته لأول مرة، «ختم النمر» (2020)، خارج الموسم الرمضاني، وتبعه مسلسل آخر بعنوان «الدايرة» (2021)، وينتظر المشاركة في موسم رمضان أيضًا بمسلسل «كوفيد 25». هذا بالتزامن مع خطة تلميعه بالظهور بشكل مكثف في البرامج الرئيسية بقنوات الشركة مثل «صاحبة السعادة» لإسعاد يونس و«معكم» لمنى الشاذلي.

أحمد صلاح حسني في بوستر «الدايرة»

من ناحية أخرى، يتشارك أحمد صلاح حسني مع زملائه في فيلم «الممر» (2019)- الذي نال إشادة كبيرة من القيادات السياسية ورئيس الدولة- الرضا التام والأولوية في العمل. مثلًا زميله أمير صلاح الدين، حصل بعد مشاركته في «الممر»، على أدوار في أربعة مسلسلات من إنتاج الشركة: «ختم النمر، موسى، كوفيد 25، الملك أحمس»، وضيف شرف في مسلسل «هجمة مرتدة».

أبطال «الممر» في الندوة التثقيفية الـ31 للقوات المسلحة

وحصل محمود حافظ على أربعة أدوار في «ختم النمر، الدايرة، اللي ملوش كبير، الملك أحمس». وكذلك محمد فراج في مسلسلي «الملك أحمس والاختيار 2»، بجانب مسلسل «ضد الكسر» وهو بمشاركة مع شركة «العدل جروب». وعاد أحمد رزق أيضًا في مسلسلي «بخط الإيد» و«في يوم وليلة» وضيف شرف في «القاهرة كابول». أما إياد نصار، المتراجع من أدوار البطولة إلى الأدوار الثانوية، عاش فترة نشاط بثلاثة أعمال: «النهاية، ليالينا 80، الاختيار 2»، ونفس الحال مع الممثلين محمد جمعة ومحمد الشرنوبي.

أحد العاملين بالإنتاج سبق له التعاون مع «المتحدة»، تحدث إلى «مدى مصر» بشرط عدم ذكر اسمه، قائلًا إن من الوجوه التي تُفرض في الفترة الحالية من الشركة على الدراما الممثل أحمد العوضي، الذي يلقى اهتمامًا كبيرًا خاصة بعد دوره في فترة «فيديوهات المقاول محمد علي»، ومسلسل «كلبش 3»، فقد حصل على أدوار بطولة في «الاختيار» و«اللي مالوش كبير» وقدمته الشركة كبطل منفرد في «شديد الخطورة» مؤخرًا، ومن المنتظر أن يحصل على مساحة أكبر الفترة المقبلة.

ولا يجد المصدر معايير واضحة في تصعيد أسماء بعينها وفرضها. ويرجّح أنه يتعلق بمدى قوة العلاقات مع تامر مرسي ورجال الشركة، بالإضافة إلى بعض السمات الشخصية والفنية التي تبحث عنها «المتحدة» في الوقت الحالي، مثل شخص تتوافر لديه المقومات الشكلية كنجم محبوب.

 أما المعيار الأهم، فهو أن تكون طبيعة شخصيته أنه لا يتدخل كثيرًا في المحتوى الفني، ولا توجد لديه معايير فنية عالية، الأمر الذي يُسهل عملية الإنتاج وسياسة الأجور القليلة. ومن هذا المنطلق يفسر سر صعود اسم مي عمر مؤخرًا كنجمة دراما، بشكل مفاجئ، والدعاية المكثفة لها في وسائل إعلام «المتحدة»، من خلال مسلسل «لؤلؤ» وقبلها مسلسل «الفتوة»، وفي رمضان القادم تقدم مسلسل «نسل الأغراب» مع أمير كرارة وأحمد السقا، ويُسند لها دور محوري في المسلسل، ربما يوازي دور النجمين السابقين، بالإضافة إلى أسماء أخرى كهنا الزاهد، التي أُسند لها مؤخرًا دور البطولة في مسلسل «حلوة الدنيا سكر» لأول مرة.

مي عمر في «لؤلؤ»

وجوه جديدة وغامضة

ينطبق نفس المعيار، على الأدوار الثانوية. فالطريقة الحالية في اختيار هذه الفئة، تشبه سياسة «أهل الثقة بدلًا من الكفاءة». فالممثل الكفؤ سيتدخل في العمل، وله آراء وطموحات، وفي حال كان موهوبًا، يمكن أن يغطي على أبطال الأعمال الصاعدين مؤخرًا.

فإذا كان البطل من المواهب المحدودة، مثل ياسمين صبري وهنا الزاهد ومي عمر.. وغيرهن، فمن الطبيعي أن تكون الأدوار الثانوية أقل في النجومية، خاصة أن طريقة الكتابة الجديدة للمسلسلات تهمش هذه الأدوار أو تجعلها في خدمة البطل فقط. بجانب أن هؤلاء، المفضلين في مثل تلك الأدوار، هم من ذوي الأجور القليلة مثل محمد علي رزق ومحمد الشرنوبي ومحمد كيلاني وعمر الشناوي ومحمد مهران. ومعهم ظهر جيل جديد من أبناء الممثلين والعاملين في المسلسلات، مثل ليلى وملك أحمد زاهر، ومحمود عمرو محمود ياسين، وهنادي هاني مهنا، وريم سامي، شقيقة المخرج محمد سامي، وغيرهم.

ووصل الأمر إلى استخدام موظفين بالشركة في العمل كممثلين، مثل عصام السقا، مسؤول السوشيال ميديا بشركة «هاشتاج» التابعة لـ«المتحدة»، الذي شارك في أدوار كبيرة، بشكل مفاجئ، في ما يقارب عشرة مسلسلات، من أعمال «سينرجي» منذ 2019، وقبلها لم يشارك في الدراما إلا بعدد محدود في أدوار صغيرة جدًا وعلى زمن ممتد. الأمر نفسه مع محمد أبو النجا، الذي هو بالأساس مدرب لياقة بدنية، كان يعمل على تدريب الممثلين، قبل أن ينتقل للتمثيل معهم.

إحدى المصادر التي تكلمنا معها، وطلبت عدم ذكر اسمها، ضربت مثلًا بالممثل مصطفى درويش، الذي ظهر فجأة في رمضان الماضي بلقب «النجم مصطفى درويش»، في تتر مسلسل «خيانة عهد»، والأول في أسماء الممثلين بعد نيللي كريم وآسر ياسين في«بـ100 وش»، رغم أن دوره أقل من باقي زملائه. وتكثر الأقاويل حول صعوده، بين من يرى أنه قدّم عدة خدمات  لشركة «العدل جروب» في تسهيلات التصوير والوساطة للصلح بين المنتج جمال العدل وتامر مرسي، وهذا سبب هذه المعاملة الخاصة له. في حين كشف مصدر آخر من العاملين في الإنتاج أن درويش يلقى معاملة استثنائية بالفعل، ولكن لسبب آخر وهو مشاركته في الإنتاج من الباطن، بالإضافة إلى علاقته الغامضة بتامر مرسي وجمال العدل، وهناك من يرجع ذلك لعلاقته بجهات سيادية. هذا الغموض الذي يحيط بصعوده غير المبرر، لا يؤثر على أنه يعامل بالفعل معاملة «النجم». يشارك درويش هذا الموسم في ثلاثة مسلسلات بأدوار بطولة، ويتصدر دعايتها وبوستراتها.

مصطفى درويش في تتر «خيانة عهد»

البطالة والتمثيل بالفلوس

ما بين الطبقة الأساسية الجديدة والصاعدين، تعاني العشرات من الممثلين من قلة فرص العمل والطلب، بالإضافة إلى قلة الأجور. فاحتكار «المتحدة» للتشغيل، واتباعها سياسة «أبناء الشركة»، أدى إلى جلوس الكثيرين في بيوتهم. فشركات الإنتاج الأخرى توقفت عن العمل، بسبب مطاردة «المتحدة» بأشكال كثيرة، من بينها التصاريح، والضغط على الممثلين المتعاونين مع غيرها. إذا لم تكن من أبناء الشركة أو من النجوم المرضي عنهم، ففرصك ضعيفة. 

تخبرنا ممثلة شابة، كانت آخر أدوراها في موسم رمضان 2017، أن الأزمة وصلت لأن هناك مكاتب كاستينج تتحصّل على أموال ونسبة من الأجور كي تساعد الممثلين على العمل. فالآن لا توجد فرص للكاستينج والاختيار، فـ«المسلسل بيتكتب والمخرج والبطل متفقين على معظم الأدوار»، وبعدما كانت الأدوار الصغيرة وأدوار ضيوف الشرف تمثل فرصة للمبتدئين، الآن يعطونها لنجوم كبار، مثلما حدث في «الاختيار». وترى  أن فئة الممثلين هم الأكثر تضررًا من احتكار «المتحدة»، فالمصورون والمخرجون يمكنهم الاكتفاء بمسلسل واحد، بينما على الممثل المشاركة في أكثر من عمل لتغطية دخله. 

يلمح الفنان سامي مغاوري، عضو مجلس نقابة الممثلين المستقيل مؤخرًا بسبب بطالة الممثلين، إلى وجود أموال تحت الترابيزة من أجل الدفع بممثلين بعينهم في المسلسلات. استقال مغاوري بسبب اعتراضًا على ما وصفه بالفوضى في الوسط الفني، وعدم قدرة النقابة على السيطرة على البطالة والمجاملات، وقال إنه لم يعد يحتمل شكاوى الممثلين له من البطالة كلما يرونه، مضيفًا أن الأعمال الفنية مسموح لها فقط الاستعانة بـ10% من الممثلين خارج النقابة، ولكنهم يتجاهلون الأمر.

أشرف زكي، نقيب الممثلين، تحدث بنفسه بعد انتخابه نقيبًا في 2019 ببرنامج «معكم»، عن أزمة بطالة الممثلين واعتبرها القضية الأبرز في النقابة، وهدد المنتجين بعدم التعامل معهم واستخدام القانون ضدهم، وقال: «ناس كتيرة جدًا قاعدة في البيت.. نجوم مخرجين فنانين مهمين شباب.. وأنا زمايلي اللي قاعدين في بيوتهم مش لاقيين ياكلوا أقول لهم ايه؟ عشان هو جايب واحد صاحبه ولا مين وصاه على مين»، وأشار إلى أن نسبة غير النقابيين في بعض الأعمال تصل إلى 70%.

المشكلة الأخرى المرتبطة بالبطالة، والمرافقة للاحتكار، هي مشكلة الأجور القليلة، حيث لا توجد فرصة للتفاوض، أو كما تصيغها ممثلة أخرى تكلمنا معها: «هتعمل إيه؟ هتتفاوض على عقدك مع الحكومة؟ مفهوم إن فيه فروقات بالنسبة لتوقعات الناس هيقبضوا قد إيه، لكن سينرجي بتدفع أقل، وفيه فرصة قليلة جدًا للتفاوض. عندهم اتجاه يا تشتغل بالطريقة دي يا بلاش». وتؤكد على كلامها زميلة أخرى: «طول عمر الوسط الفني فيه شللية لكن دلوقتي كمان الأجور منخفضة، والعدد قل، واللي غايب هيغيب أكتر». 

ومع الأجور القليلة، تأتي ظروف العمل، حيث لا يشعر المتعاونون مع «سينرجي» بأنهم يعملون مع شركة خاصة «الأجواء العامة في أماكن التصوير في مصر معظم الوقت مش رائعة، بس وصلت لدرجة إنك دلوقتي لما تتعامل مع شركة إنتاج تانية وتشتكي بيتقال لك: على الأقل مش سينرجي».

القائمة السوداء

الوجه الآخر للعملة، هو أنه ليس باستطاعة الممثلين رفض العمل مع «سينرجي»، لأن ذلك يهدد مستقبلهم المهني. هناك اتفاق عام في الوسط على أنه عند نقطة ما لا بد أن تتعاون مع «سينرجي» إذا أردت الاستمرار في المهنة في مصر، كما تقول إحدى الممثلات اللاتي تحدثنا معهن، وترى أن رفض عرض من «سينرجي» أمر له تبعات غير محسوبة، ولذلك «لو جالك عرض من سينرجي، لازم تفكر في حيلة ذكية ولطيفة، لو قررت ترفضه»، لأن «هم يقدروا يوقفوا كاريري [مهنتي] في أي وقت هم عاوزينه»، وترى أنه كلما كان الممثل مشهورًا، كلما كان الرفض أصعب: «هيبقى صعب تتجنبهم لأن هيبقوا عايزين يشتغلوا معاك».

بالنسبة لها، رفضَت الكثير من عروض «سينرجي». وكل مرة تتلقى منهم عرضًا، تقوم باستشارات كثيرة مع الناس حولها، ليفكروا في طريقة للرفض ليست عدائية، «لازم دايمًا تقول إنها بس مسألة تنظيم وقت»، لكن هذا أيضًا غير مضمون.

في 2019 تلقت منهم سيناريو لم ترغب في قبوله، لأنه كان على حد قولها «فيلم بروباجندا». قامت برفضه من خلال شخص آخر، أخبرهم أن جدولها مزدحم، لكن «سينرجي» أحست بالإهانة. «نصحوني إني لازم أعمل مكالمة شخصية تهدي الدنيا شوية».

حكت لنا أيضًا عن زميل لها، عاد من السفر للمشاركة في مسلسل درامي غير تابع لـ«سينرجي». وعندما وصلهم خبر بقدومه، طلبوا منه المشاركة في أحد أعمالهم، ولكنه رد عليهم بأنه مشغول. فوجئ الممثل عندما وصل المطار، بأن «سينرجي» أرسلت سيارة لاستقباله، واتجهت به مباشرة لمكتبهم، وأرغمته على توقيع عقد المشاركة في مسلسلهم.

ممثل آخر طلبته «سينرجي»، فاعتذر بأنه مشغول في مشروع آخر، قالوا له بشكل واضح في اجتماع: «إحنا ممكن نقدر نوقف المشروع التاني عشان تبقى فاضي تشتغل معانا».

بخلاف مَن عليهم الطلب، هناك ما يُعرف في أروقة الصناعة، باسم «القائمة السوداء»، حيث تضع «سينرجي» قائمة لـ«اللي ينفع يشتغل» و«اللي ما ينفعش يشتغل». وتختلف تبعات كونك في تلك القائمة، فمثلًا، تقول نفس المصدر: «ممكن يدوروا وراك يشوفوا كنت مع الثورة ولا لأ ويعملوا لك مشاكل. ده بيخلي الناس التانيين خايفين يشغلوك، فبالتالي مش هتلاقي شغل». لذلك هي تعرف أنها لا محالة ستضطر للعمل معهم: «عند نقطة معينة لازم هقبل دور من الأدوار دي، وإلا هيبقى شكلها واضح قوي إني بتجنب أشتغل معاهم».

يقودنا هذا لنوع آخر من البطالة، وهو البطالة الفنية، والتي تعني غياب الأدوار القوية والتي تبرز نقاط قوة الممثل. تقول لنا إحدى الممثلات، أنه بسبب الحضور القوي للرقابة وانخفاض جودة الأعمال وغياب التنافسية، أصبحت قصص المسلسلات والأدوار ضعيفة، وهذا يعتبر نوعًا من البطالة، فـ«التركيبة أصبحت معروفة، بطل خيّر يواجه بطل شرير، والبقية أصدقائهما ورجالتهما»لذلك لم يفهم البعض تصريحات عبدالرحمن أبو زهرة حول معاناته مع البطالة، رغم أنه بالفعل يشارك بأدوار، لأنه يقصد أنه يقدم نفس الدور والمَشاهد كل مرة. وهذا هو سبب انخفاض بريق عدد كبير من الفنانين مؤخرًا، فنجد مثلًا نجوم صف أول وثانٍ يشاركون في أدوار ثانوية، ويقدمون نفس الدور كل مرة.

قدمت لنا المصادر التي تحدثنا معها روشتة للممثلين للتعامل مع أزمة البطالة والعمل مؤخرًا، وأولها عدم الاعتذار عن الأعمال، مهما كان ضعفها أو قلة أجرها، لأن ذلك يعطي رسالة سلبية أن الممثل يتعالى على شركة «المتحدة» ويرفضها، أو يرفض الوقوف بجانب الدولة، أو أنه كثير الطلبات، وهو ما يجعله في القائمة السوداء.

إحدى الممثلات أخبرتنا أنها عانت من أجل الحصول على دور مؤخرًا. ورغم أنها ترى أن أوضاع العمل قد تحسنت بشكل ما عن سنوات 2017 و2018، والتي خلالها اتجه الكثير من زملائها للعمل خارج الفن، بعد أن انخفضت الأجور للرُبع، إلا أن ثمن حصولها مؤخرًا على الدور، كان حرصها خلال فترة الأزمة على المشاركة بأقل أجر، أو التنازل عنه أحيانًا، وإلى المجاملات، حتى تحصل على فرصتها بعد تحسن الحالة الإنتاجية، وتصبح لها الأولوية.

 والحل الثاني هو الشكوى المستمرة من قلة العمل في البرامج الحوارية ومواقع التواصل. ويذكر أحد المصادر أن الفنان طارق لطفي دخل في «القائمة السوداء»، وتوقفت أعماله، بسبب خلاف له مع تامر مرسي، بعد مسلسل «بين عالمين» (2017) ولم يعد للعمل إلا بعد تصعيد أزمته وشكواه لقيادات أمنية، وهو ما يفسر عودته بمسلسل مخابراتي هذا العام «القاهرة كابول».

الشكوى في البرامج قدمت مفعولها لعدد من النجوم، مثل خالد الصاوي بحديثه عن تفكيره في العمل خارج مصر بسبب عدم الاستعانة به، قبل أن يشارك في عدة أعمال مع «المتحدة» مؤخرًا مثل «ليالينا 80» و«القاهرة كابول» و«اللي مالوش كبير»، ونفس الأمر بالنسبة لشريف منير، والذي شارك في دور ثالث مع ياسمين عبدالعزيز العام الماضي في «ونحب تاني ليه». ولجأ الكثيرون لهذه الطريقة، ولكن لم تحقق نجاحًا، رغم علاقاتهم القوية مع رجال الدولة، مثل نشوى مصطفى، التي كتبت في إحدى المرات على فيسبوك: «حد عنده (واسطة) عايزة أمثل، أنا معايا بكالوريوس فنون مسرحية قسم تمثيل وإخراج بتقدير جيد جدًا ومثلت قبل كده وفيه ناس قالت إني ممثلة يجي مني».

تأميم وتوزيع غنائم

في مواجهة ذلك الطوفان من الشكاوى، وبعد اطمئنانها لاستتباب الوضع لها، لجأت «المتحدة» لحيلة لزيادة أعمالها، ولمحاولة تسكين طاقم الجالسين في المنزل، دون تكلفة إضافية، وبالاحتفاظ بمظلة السيطرة على السوق، في الوقت نفسه، وهي الاستعانة بمنتجين آخرين للعمل تحت مظلة «المتحدة» ولكن بشروطها وإشرافها. أو كما صاغها أحد من تكلمنا معهم: «هم دايما موجودين، حتى لو مش هم المنتجين». 

مثلًا، قال لنا أحد المصادر العاملين بالإخراج، إن البعض، مثل الممثلة ريهام حجاج، تنتج بأموالها من خلال شركات أخرى، لذلك استطاعت الاستعانة بممثلين كبار مثل خالد النبوي ومحمود حميدة كسنيدة معها في «لما كنا صغيرين» (2020)، والآن تعمل مع شركة «Tvision» في مسلسل مع رانيا يوسف وعمرو عبدالجليل. ونفس الأمر مع ياسمين صبري في مسلسل «فرصة تانية» (2020).

من مسلسل لما كنا صغيرين

وهناك شركات رفضت هذه الشروط فأصبحت خارج الخدمة. يقول المصدر إن الشركة حاولت تنفيذ هذه السياسة مع شركة المنتج صادق الصباح، وفرضت عليه العمل معها مقابل عرض أعماله وتصويرها في مصر، إلا أنه رفض الشروط، فتم ترحيله من مطار القاهرة فور وصوله ومنعه من دخول البلاد والتضييق على أعماله، لذلك لم يستطع مثلًا الاستمرار في إنتاج أعمال مع أحمد السقا العام الماضي، وأتم تعاقده معه بإنتاج برنامج ترفيهي في لبنان «اغلب السقا»، قبل أن ينتقل الأخير إلى «المتحدة».

ونفس الأمر مع علي ربيع قبل أن ينتقل قسرًا إلى «المتحدة». وحدث السيناريو نفسه مع المنتج محمد مشيش، الذي مُنع من الإنتاج ودخول مصر لفترة، وألقي القبض عليه مؤخرًا بتهمة التزوير. وأخيرًا مع شركة «فنون مصر» التي توقفت عن الإنتاج بسبب خلافها مع «المتحدة» على الشروط، والتي من بينها الاستغناء عن مستحقاتها المالية القديمة عند قنوات «المتحدة» قبل استحواذ الشركة عليها، مقابل السماح لها بالعمل تحت مظلتها وفتح صفحة جديدة، بالإضافة إلى شروط تخيير النجم أو المنتج بين العمل مع «المتحدة» أو العمل خارج مصر، والتعاقد مع بعض النجوم على عقود احتكار وليس عقود لأعمال منفصلة.

نتج عن هذه السياسة، كما يذكر المصدر، فريق من المغضوب عليهم والمتواجد حاليًا في لبنان. ويقول إن من يريد السباحة ضد تيار «المتحدة» يلجأ إلى الأعمال التي تصوَّر في بيروت، مثل مصطفى شعبان وعمرو سعد اللذين خرجا من جنة «المتحدة» فاتحدا سويًا مع صادق صباح، ويصوران مسلسلهما «ملوك الجدعنة» في بيروت. ومعهم المغضوب عليها الأخرى، غادة عبدالرازق، التي تصور مسلسلها «لحم غزال» مع نفس المنتج في بيروت، ومن قبلهم هيفاء وهبي في مسلسل «اسود فاتح» (2020)

وتضمن هذه الأعمال العمل لبعض الممثلين الذين لا يجدون فرصة في مصر، مثل يوسف شعبان الذي عاد للعمل في «ملوك الجدعنة». وكشفت الفنانة سميرة أحمد بعد وفاته إنه كان يعاني من أزمة نفسية بسبب وقفه عن العمل في مصر لثلاث سنوات، بالإضافة إلى رانيا يوسف ووليد فواز ومحمود حميدة وظافر العابدين وياسمين رئيس ومحمد ممدوح.. غيرهم.

كله هيتراضى

تعرف شركة «المتحدة» خطورة جلوس الفنانين في البيت بدون عمل على استمرار الرضا عليها، لذلك لجأت إلى حلول أخرى في الموسم الدرامي الجديد، تعتقد أنه حل سيرضي عدة أطراف، وأولها المسلسلات ذات الـ15 حلقة، وهو حل اقتصادي من أجل إرضاء أكبر عدد من نجوم الشركة، وعلى رأسهم هاني سلامة وعلي ربيع ويوسف الشريف ودنيا سمير غانم.

 والحل الثاني هو البطولات الثنائية، مثل أمير كرارة مع أحمد السقا في مسلسل «نسل الأغراب»، وكريم عبدالعزيز مع أحمد مكي في «الاختيار 2»، وأحمد عز مع هند صبري في «هجمة مرتدة»، وهاني سلامة مع درة في «بين السما والأرض»، وياسمين عبدالعزيز بصحبة زوجها أحمد العوضي في «اللي مالوش كبير».

أفيش مسلسل نسل الأغراب

والحل الأخير من اختراع الكاتب يسري الفخراني، أحد القيادات الصاعدة في شركة «المتحدة»، بتنفيذ مسلسلات من قصص منفصلة وبأبطال متغيرين، مثل مسلسل «إلا أنا» و«ورا كل باب».. وغيرهما، وهي فكرة في الأساس جاءت لإرضاء النجوم، خاصة غير العاملين في مواسم رمضان، وكذلك لإرضاء بعض المنتجين بالاستعانة بهم كمنتجين تحت مظلة «المتحدة» أو شركاء معها، مثل المنتجة مها سليم في «زي القمر» والمنتج هشام جمال، صاحب شركة «روزنامة» في مسلسلات «في بيتنا روبوت»، و«عالم موازي» في رمضان.

 وتتكرر فكرة الشراكة في رمضان من خلال مسلسلات شركة «العدل جروب»، أو من خلال شركات جديدة مثل «ميديا هب» التابعة لشركة «سعدي- جوهر» للإعلانات، والتي تتولى إنتاج الإعلانات للحملات الرئاسية وأنشطة الوزارات وتنظيم مؤتمرات الشباب وغيرها، قبل اتجاهها لأول مرة للإنتاج الدرامي هذا العام، في مسلسل «لعبة نيوتن»، إخراج تامر محسن وبطولة منى زكي في رمضان.

رغم الأمل في تحسن أوضاع الإنتاج الفني في مصر هذا الموسم، بوجود المنصات الإلكترونية وزيادة الأعمال عدديًا عن الأعوام الماضية بما يقارب 30 عملًا، نصفها أعمال من شركات أخرى داخل وخارج مصر، إلا أن أزمة فيروس كورونا تسببت في تعميق جراح الإنتاج الفني، خاصة بغياب الإنتاج السينمائي، وكذلك عدم وضوح قدرة الأعمال خارج شركة «المتحدة» في المنافسة وإيجاد وسائل عرض ودعاية، لاستحواذ «المتحدة» على هذه المنافذ أيضًا. وأخيرًا لعدم وجود مؤشرات أو معايير تنافسية واضحة تضمن للممثلين والفنيين استمرارهم في العمل والترقي في المواسم المقبلة.

اعلان
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر 

أشترك الآن

تعليقات

المشاركات الشائعة